الثلاثاء، 2 يونيو 2020

كتاب قلق السعي الى المكانة

يتحدث الكاتب الان دو بوتون في كتابه “قلق السعي إلى المكانة” عن الشعور الذي يعتري الإنسان للحصول على التقدير والمحبة من قِبل المحيطين به وأسباب هذا القلق وحلوله ، يتكون الكتاب من 312 صفحة وصدر عن دار التنوير بترجمة محمد عبد النبي وتم اصدار الطبعة الاولى عام 2018 م                                        
    الكتاب مقسم إلى جزئين، الأول وهو (الأسباب) و يتكون من الفصول التالية: افتقاد الحب، الغطرسة، التطلّع، الكفاءة، والاعتماد. أما في الجزء الثاني يتطرق المؤلف إلى (الحلول) ويقسمها إلى: الفلسفة، الفن، السياسة، الدين، والبوهيمية              
    مثيرة للاهتمام تلك الكتب التي تتناول موضوعات تمس الناس جميعها وبدون أي استثناء، فكيف إذا كان الموضوع واحدا من أهم نوازع النفس البشرية وأعمقها، ألا وهو الرغبة في حيازة المكانة في المجتمع    "قلق السعي إلى المكانة"، ، هو عمل للكاتب والباحث البريطاني السويسري (الان دو بوتون)، وقد لاقى رواجا وإقبال لافتا فبوتون يعالج في كتبه قضايا معاصرة ويسعى إلى التأكيد على ارتباط الفلسفة بالحياة اليومية دائما، ولكنه يصطحبنا هذه المرة في رحلة تجاه النفس الإنسانية، فيغوص بنا إلى اكثر مستوياتها عتمة، ويروي قصة لا تسرد ولا  نعترف بها حتى أمام انفسنا، إنها قصة سعينا وراء حب الناس، وهي على حد قوله "حكاية مخجلة وسرية".                                                       
    "معنى إبداء الحب لنا أن نشعر اننا محظ انشغال وعناية: حضورنا ملاحظ، واسمنا مسجل، وآراؤنا ينصت إليها، وعيوبنا تقابل بالتساهل،وحاجاتنا ملباة"                                                                                                                     يسترسل الكاتب في أفكاره بسهولة ورقّة ليواسينا بأننا لسنا وحدنا من نقلق و نفكر ونشعر بالأسى حيال مكانتنا في خارطة الحياة والمجتمع وما إذا كنا مُلاحظين أم لا ، ويقول أن هنالك آخرون مثلنا تماماً يعانون في هذا العالم، ولعل هذا القلق هو ما يحبط أكثر رغباتنا ويمنعنا من التقدم خشية أن لا نلاقي الاستحسان ويُعيّشنا في عجز داخلي وعذاب نفسي، بينما ننتعش ونُزهر إذا ما شعرنا أن هنالك من يعرفنا ويتطلع لأفكارنا وأعمالنا وحتى صحبتنا أو إذا لم نقلق من الأساس.                                 
            يقول دو بوتون: “يُعد اهتمام الآخرين مهماً لنا لأننا بحكم طبيعتنا مُبتلون بانعدام يقين نحو قيمتنا الخاصة، ونتيجة لهذه البلوى فإننا ندع تقييمات الآخر تلعب دوراً حاسماً في الطريقة التي نرى بها أنفسنا. إن إحساسنا بالهوية أسير في قبضة أحكام من نعيش بينهم.” ، لذلك قد نكون سعداء بالقليل طالما أننا لا نعلم أن هنالك الكثير، وإن أبرز سمات الصراع لتحقيق المكانة هي الريبة وانعدام اليقين. وكعادة المؤلف الذي يهدف لجعل الفلسفة ذات صلة بالحياة اليومية فهو يضعها أحد الحلول لمواجهة هذا القلق: “نصحنا الفلاسفة باستغلال ملكاتنا العقلية لتوجيه سهام العواطف نحو الأهداف المناسبة، سائلين أنفسنا هل ما نرغب فيه هو نفسه ما نحتاج حقاً إليه، وهل ما نخشاه هو ما يدعو للخوف حقاً”. وهذا ما قد يهوّن قلقنا بشأن المكانة ويخفف من رغبتنا المنهكة في التأكد من أن الآخرين يروننا بعين الرضا. وينصحنا دو بوتون كذلك باللجوء إلى الفن للاحتجاج على الحياة ومشاركة الألم و استخدامه كحافز على الإصلاح. ويؤكد دو بوتون على أن الحياة بحد ذاتها ثروة بكل ما تنطوي عليه من قدرات على الحب والمسّرة والإعجاب.                                                        ويعرف بوتون قلق المكانة بانه قلق ينتاب الإنسان خوفا من أن يخفق في كسب علامات الاحترام والمنزلة في أعين مجتمعه، فيعمد بوتون إلى معالجة أسباب هذا القلق في القسم الأول من الكتاب، ثم ينتقل في القسم الثاني إلى اقتراح الحلول، ويعالج بوتون كلا القسمين باستخدام الأدلة النفسيةوالتاريخية والسياسية تارة، وبالاستشهاد بحياتنا اليومية المعاصرة تارة أخرى، وكل ذلك بأسلوب سلس ومشوق ومحبب يأسرك من بداية الكتاب حتى نهايته.

ما الذي يشعل نار قلقنا؟
يحصي الكتاب خمسة اسباب رئيسية تسهم في تأجيج نار قلق المكانة، ويبدأها برغبة الإنسان في الأزلية والابدية بالحب، إلى درجة انه يفسر بعضا من السلوكيات البشرية في تحصيل المال لا رغبة به في حد ذاته، بل طمفا بالمنزلة التي ستوفرها حيازته، والتي ستؤمن بدورها مقدارا أعلى من الانتباه والحب.
"إن الدافع المهيمن وراء رغبتنا في الارتقاء على درجات السلم الاجتماعي قد لا يكون مرتبطا بما نراكمه من سلع مادية أو ما نحوزه من سلطة، بقدر ما يرتبط بمقدار الحب الذي نتطلع إلى ان نلقاه نتيجة للمكانة العالية
ويسترسل ہوتون في شرح أسباب أخرى تجعلنا نقلق ازاء مكانتنا في عالمنا المعاصر ذي الوتيرة المتسارعة والتنافسية خصوصا؛ إذ يزدادتقدير المادة يوما بعد يوم، ثم يقارن ما بين عالم الأمس الذي كانت المكانة فيه تكتسي بالولادة، ونتيجة لعوامل لا شان للإنسان فيها؛ كالهوية والعرق والطبقة الاجتماعية،وما بين عالم اليوم الذي يستطيع الإنسان فيه تكوين مكانته بنفسه عن طريق السعي إلى النجاح المهني فالمالي، فهل كان هذا التحول الذي منح الإرادة الخاصةحريتها وانطلاقتها إيجابيًابالمطلق ؟ وماذا عن القلق المتزايد الذي تسببه مطالبتنا شبه الدائمة في تحسين حياتنا ومكانتنا؟

"مهما كان القلق بشان المكانة مزعجا، فمن الصعب أن نتخيل حياة طيبة تخلو منه تماما، ذلك أن الخوف من الفشل ومن الخزي في أعينالآخرين عاقبة لا بد منها ،قلق المكانة هو الثمن الذي تدفعه مقابل إدراكنا أن ثمة تمييز متفق عليه بين حياة ناجحة وحياة غير ذلك." 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق