الثلاثاء، 2 يونيو 2020

كتاب مهزلة العقل البشري

كتاب مهزلة العقل البشري للدكتورعلي الوردي , يتضمن الكتاب 360 صفحة ونشر في دار الوراق , هو أحد أشهر كتب علم الاجتماع للمؤرخ الشهير علي الوردي، نُشر لأول مرة في عام 1959م، بعد صدور كتاب وعاظ السلاطين الذي نشره الكاتب وأثار به ضجَّة كبيرة أغضبت كثيرين من الناس، وكان كتاب مهزلة العقل البشري عبارة عن فصول متفرقة كان الأستاذ علي الوردي قد كتبها على فترات زمنية متفرقة ومتباعدة، لكنَّه جمعها في هذا الكتاب لأنها كتبت ردًّا على ردود الأفعال التي تصدَّت لكتاب وعاظ السلاطين السابق، يتوزع الكتاب بين عدَّة فصول وهي على الترتيب: طبيعة المدنية، منطق المتعصبين، علي بن أبي طالب، عيب المدينة الفاضلة، أنواع التنازع وأسبابه، القوقعة البشرية، التنازع أو التعاون، مهزلة العقل البشري، ما هي السفسطة، الديمقراطية في الإسلام، علي وعمر، التاريخ والتدافع الاجتماعي.
يبدأ "الوردي" كتابه بمقدمة ردا على منتقدي كتابه السابق وعاظ السلاطين، الذين يفكرون بمنطق القرن العاشر؛ إذ ينتقد الكتاب أولئك الطوبائيين من أصحاب
البرج العاجي، الذين ياتون بأفكار غالبا ما تكون رائعة، ولكنها عقيمة لا يمكن تطبيقها، أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن للسيف والعضلات المفتولة الوقوف في وجه
الرشاش والمدفع، وقد وصف ذلك على نحو مفصل في الفصل الثاني "منطق المتعصبين.
 يبدأ الفصل الأول بالحديث عن المدنية التي تعبر عن الحركة الاجتماعية، التي تدفق الإنسان نحو المجهول، وتفقده الطمانينة وراحة البال،التي كان ينعم بها في
الماضي؛ فالإنسان أمامه طريقان متعاكسان، ولابد أن يسير في أحدهما: طريق الطمانينة والركود، أو طريق القلق والتطور،
 ثم ينتقل للحديث عن علي بن أبي طالب في الفصل الثالث، وعن الكتب التي تحاول أن تقيت الإمامة لأبي بكر وعمر وانهما أفضل من عليبن ابي طالب،
والكتب الأخرى التي لا تقل عددا عن سابقتها، والتي تحاول أن تثبت الإمامة لعلي، وقد كان أبو بكر وعلي كلاهما عادلين حريصين علىأموال الدولة لا يأخذان منها شيئا، أما النزاع الجذري فهو بين علي ومعاوية، وهو يدور حول مصير الأمة هل تجري في طريق العدالة الاجتماعية أم تجري في طريق الحكم الطاغي الذي لا يعرف عدلا ولا مساواة ؟!        
  يدور كتاب مهزلة العقل البشري في منحنيات البحث الاجتماعي وحول أطار فهم الطبيعة البشرية، ويقوم بتحليل الكثير من الأمور التي تأخذ طابعًا اجتماعيًا أيضًا، كما يتناول الكتاب حوادث تاريخية هامة من التاريخ الإسلامي من خلال منظور منطق علم الاجتماع الحديث، ويشير إلى موقف قبيلة قريش من ظهور الإسلام في ذلك الوقت وإلى التطورات التي طرأت على المفاهيم الاجتماعية بعد انتشار الدين ومدى تأثيره على قبيلة قريش، كما يتحدث عن الصراع الذي وقعَ للحصول على الخلافة بعد وفاة رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بين الصحابة من بعده.ويتحدث الكتاب أيضًا إلى الأسباب التي ما تزال تثير الجدل إلى هذه الأيام حول خلافة الصحابي أبي بكر الصديق والصحابي عمر بن الخطاب والصحابي علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين- وعن تداعيات هذه الخلافات، بالإضافة إلى الخلافات بين أتباع عمر بن الخطاب وأتباع علي بن أبي طالب، وطبعًا لا بدَّ أن يقف عند حادثة مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما تبع ذلك من صراع كبير بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، والذي نتجَ عنه صراع كبير انقسمت الأمة الإسلامية بسببه إلى سنة وشيعة ما يزال الخلاف قائم بينهم رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن. في هذا الكتاب ينطلق علي الوردي من مبدأ الحركة والتطور، وهو أحد المفاهيم الحديثة التي يؤمن بها منطق العلم الحديث، لأن كل شيء في الكون يتطور بشكل دائم من حالة إلى أخرى، ولا شيء يمكن أن يقف في وجه هذا التطور، لذلك فقد أشار إلى أنه صار واجبًا على الوعاظين  أن يقوموا بدراسة قوانين التطور، وألا يكتفوا بإمطار الناس بالمواعظ الفارغة، بل يعملوا على تطوير تلك المفاهيم وإخراج الناس من الجهل والجدل الفارغ الذي يعيشون فيه.                                                                                                                                                                                              ويعود في الفصل الرابع للحديث عن "عيب المدينة الفاضلة التي يتخيل فيها الفلاسفة مجتمعة فاضلة يسعد الناس فيه، ويفلحون فيدنياهم وآخرتهم
ويديرهم رئيس صالح، ينظم شؤونهم ويشرف عليها ، ولكن مشكلتهم أنهم لم يقفوا لحظة ليفكروا كيف سيتمكن الناس من اختيار هذا الرئيس العجيب؟I
الفصلين الخامییں۔ والتابع، فيتحدث عن "التعاون والتنازع البشري وأسبابه ، والذي يبدو أنه من صميم تكوين الإنسان؛ فهو على أية حال،لا يستطيع
التخلص منه، إنما يتحول من صورة إلى أخرى، حث التعاون ما هو إلا صورة من صور التنازع؛ فالإنسان يتعاون مع بعض الناس ليكونأقدر على التنازع ضد
البعض الآخر
ثم ينتقل في الفصل السادس للحديث عن "القوقعة البشرية التي تكون في أوج قوتها في سنوات الطفولة المبكرة؛ إذ يرى الطفل نفسه محور الدنيا، وكلما
ازدادت حركة الإنسان وتجارته، ضعفت فيه تلك النظرة، ولكنها لا تموت أبدا.
 وفي الفصل الثامن يتضح لنا سبب تسمية الكتاب ب "مهزلة العقل البشري " : إذ إن أي إنسان لا ينمو عقله إلا في حدود القالب الذي يصنعه المجتمع له، ولهذا
السبب فإن العقل البشري عاجز عن دراية حقائق الكون الكبرى، فهو محدود في تفكيره بحدود الأشياء المالوفة لديه في عالمه الضيق، كما أن الأبحاث الحديثة
تشير إلى أن التعصب صفة أصيلة في العقل البشري، والحياد أمر طارئ عليه , لذلك دائما الطائفيون لا دين لهم .
 أما محاسن "السفسطة" التي تحدث عنها في الفصل التاسع، فهي غير منافقة، وتؤمن بالحقيقة النسبية قولا وفعلا؛ فافلاطون مثلا كان يرى أن العدل عبارة
عن فكرة مجردة يمكن الوصول إليها عن طريق التفكير السليم، أما السفسطائيون، فكانوا على العكس من ذلك، يرون العدل من صنع التاريخ، ونتيجة من نتائج
التفاعل الاجتماعي، ومن المبادئ السفسطائية المعروفة التي قدمت خدمة كبيرة للبشرية قولهم "الإنسان مقياس كل شيء".
وفي الفصل العاشر، يتحدث عن "الديمقراطية في الإسلام"، فقد بدأ الإسلام في أول أمره نظام ديمقراطية، ولكن الحكومة الإسلامية صارت طاغية مستبدة
تدوس بأقدامها حقوق الشعب، وتنهب أمواله، وهي مؤمنة بأنها ظل الله في أرضه، ونحن حين نشاهد الترف الخبيث مستحوذا على سلاطين المسلمين، يجب
ألا ننسى تلك الثورة الشعبية الكبرى التي قام بها أبو ذر وعلي بن أبي طالب في مكافحة هذا الترف عند أول ظهوره في تاريخ الإسلام.
 ثم يعود في الفصل ما قبل الأخير للحديث عن الخلاف بين "علي وعمر"، وما هو مصدره ومنشأه، وما السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في
حياتهما متقاربين تقاربة واضحة؟
 وأما الفصل الثاني عشر والأخير، فيتحدث عن المؤرخين القدامى الذين يأخذون وجهة نظر الحاكم وينسون وجهة نظر المحكوم، وهذا مادرسناه ونحن تلاميذ، فكنا لا نفهم من التاريخ سوى أعمال الملوك وأسماء البلاد التي فتحوها دون أن نسأل عن المشاعر المكبوتة التي كانت تعانيها الشعوب المفتوحة مدتها عند الفتح.
ثم يختتم "الوردي" المهزلة بكلمة إلى رجال الدين، أما آن لهم أن يصغوا إلى الأداء الذي يأتيهم من وراء القرون؛ إذ يقول حكيم الإسلام علي بن  أبي طالب: "لا تعلموا أبناءكم على عاداتكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق